کد مطلب:240950 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:138

الحار لمن اصطلی به
كلمة تمثیلیة جاءت فی روایة الشیخ الكلینی عن عبدالعزیز بن مسلم عن الرضا علیه السلام فی أوصاف الإمام: «الإمام النار علی الیفاع الحار لمن اصطلی به، و الدلیل فی المهالك، من فارقه فهالك» [1] .

«الإمام النار علی الیفاع» تكلمنا عنه، [2] قوله علیه السلام: «الحار لمن اصطلی به»، قال الشیخ الطریحی: أی أراد الانتفاع [3] .

من طبع النار الحرارة و لاتنفك عنها عادة إلا ما أراد الله جل جلاله كما فی نار نمرود التی أدخل فیها إبراهیم علیه السلام قال تعالی: «قلنا یا ناركونی بردا و سلما علی إبراهیم» [4] .

و من أجل عدم الانفكاك بالطبع عقبها علیه السلام بقوله: «الحار لمن اصطلی به» و جاء الاصطلاء فی موضعین من القرآن الكریم یخصان موسی علیه السلام فی قصة عوده من مدین مع أهله بنت شعیب علیه السلام إلی الأرض المقدسة أی بیت المقدس أو یرید مصر علی روایة القمی فلما صار فی مفازة و معه أهله أصابهم برد شدید و ریح و ظلمة و جهنم اللیل فنظر موسی إلی نار قد ظهرت كما قال تعالی: «فلما قضی موسی الأجل و سار بأهله ءانس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إنی ءانست نارا لعلی ءاتیكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون» [5] أی تستدفؤن [6] .

و قال تعالی: «إذ قال موسی لأهله إنی ءانستم نار سئاتیكم منها بخبر أو ءاتیكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون»، [7] بخبر عن حال الطریق لأنه قد ضله، أو شعلة نار مقبوسة [8] .



[ صفحه 231]



فالموضعان أتی فیهما بلفظ الاصطلاء، [9] و الأصل فیه الصلا، قال ابن الأثیر: و فی حدیث السقیفة «أنا الذی لایصطلی بناره» الاصطلاء: افتعال من صلا النار و التسخن بها: أی أنا الذی لا یتعرض لحربی. یقال فلان لایصطلی بناره: إذا كان شجاعا لایطاق [10] و (الصلاء) ككساء: الشواء لأنه یصلی بالنار. قال الجوهری فإن فتحت الصاد قصرت و قلت (صلا النار) [11] .

فائدة:

اختلف فی اشتقاق الصلاة بمعنی ذات الأركان فعن المغرب أنها فعلة من (صلی) كالزكاة من (زكی)، و اشتقاقها من (الصلاة) و هو من العظم الذی علیه الالیان؛ لأن المصلی یحرك صلویه فی الركوع و السجود. و عن ابن فارس هی من (صلیت العود بالنار). إذا لینته لأن المصلی یلین بالخشوع ذكره الطریحی. [12] لأدنی علقة كلمة الاصطلاء جئنا بهذه النبذه، كما لنفس العلقة نشیر إلی بعض أقسام النیران.

قال الزبیدی: (و النار): أی معروفة أنثی تقال: للهیب الذی یبدو للحاسة نحو قوله تعالی: «أفرأیتم النار التی تورون»، [13] و قد تطلق علی الحرارة المجردة. و منه الحدیث: إنه قال لعشرة أنفس فیهم سمرة: «آخركم یموت فی النار» قال ابن الأثیر: فكان لایكاد یدفأ، فأمر بقدر عظیمة فملئت ماء و أوقد تحتها و اتخذ فوقها مجلسا و كان یصعد بخارها فیدفئه فبینا هو كذلك، خسفت به فحصل فی النار، قال فذلك الذی قال له. و الله أعلم.

و تطلق علی نار جهنم المذكورة فی قوله تعالی: «النار وعدها الله الذین كفروا». [14] (ج أنوار)... و فی اللسان أنور (و نیران)...و السمة و الجمع كالجمع كالنورة... قال أبومنصور و العرب تقول: (ما نار هذه الناقة): أی ماسمتها، سمیت نارا؛ لأنها بالنار توسم و قال الراجز:



حتی سقوا آبالهم بالنار

و النار قد تشفی من الأوار



أی سقوا إبلهم بالسمة... و من أمثالهم: (نجارها نارها): أی سمتها تدل علی نجارها یعنی الإبل قال الراجز یصف إبلا سماتها مختلفة:



[ صفحه 232]





نجار كل إبل نجارها

و نار إبل العالمین نارها [15] .



و منها: الرأی، و منه الحدیث: «لا تستضیئوا بنار أهل الشرك»... معناه لاتشاور و هم. فجعل الرأی مثلا للضوء عند الحیرة.

و منها: نار المهول: نار كانت للعرب فی الجاهلیة یوقدونها عند التحالف و یطرحون فیها ملحا یفقع یهولون بذلك تأكیدا للحلف.

و منها: نار الحرب و نائرتها شرها و هیجها [16] .

و منها: نار یشعلونها فی اللیل لتدل علی إقراء التائه و منه الشعر:



أكل امری ء تحسبین امرءا

و نار توقد باللیل نارا [17] .



یرید الرضا علیه السلام بقوله: «الحار لمن اصطلی به» الدعوة إلی الله فإنها تتحقق عند لقاء الإمام و مرافقته و إلا فلیس له ناریصطلی بهاب، أویراد بها بلوغ الحجة لئلا یقول العبد یوم القیامة یا رب لولا أرسلت إلینا رسولا منذرا فنتبع آیاتك من قبل أن نذل و نخزی فیقال له جاءك الرسول المبلغ لأحكام الله و جاءك الإمام الحافظ لها و موصلها بعمله و قوله إلیك و لكن أعرضت عن ذلك فذق العذاب الأكبر.

إن الإمام كالقرآن شفاء و رحمة لمن استشفاه و خسران للجاحد المكابر له قال تعالی: «و نتزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنین و لایزید الظلمین إلا خسارا». [18] یزید لقاؤه فی الإیمان و التوكل، كما بتلاوة الآیات «و إذا تلیت علیهم ءایته زادتهم إیمانا و علی ربهم یتوكلون»، [19] تزیدهم.

و نجد من أنفسنا أنا إذا لقینا عبدا صالحا تقیا ورعا عالما بمسائل الدین مخلصا ناصحا لمن صحبه اكتسبت نفوسنا منه كرائم الخصال فكیف بالإمام المعصوم المنصوب علما للعباد وهادیا لهم. الإمام نور و كلامه نور و بركة.

یا أئمة الهدی بكم تنبت الأرض أشجارها، و بكم تخرج الأرض ثمارها، و بكم تنزل السماء قطرها و رزقها، و بكم یكشف الله الكرب، و بكم یسعد العباد،



[ صفحه 233]



و تعمیر البلاد، إرادة الرب فی مقادیر أموره تهبط إلیكم و تصدر من بیوتكم، و الصادر عما فصل من أحكام العباد [20] .

إن الإمام من أعظم نفحات الدهر التی أمرنا بالتعرض لها كما فی الحدیث: «إن لله فی أیام دهركم نفحات ألا فترصدوا لها». [21] أو «إن لربكم فی أیام دهركم نفحات فتعرضوا لها...». [22] .

و أیة نفحة أعظم من لقاء الإمام و الاستنارة بنوره و الانتهاج بنهجه و السیر علی ضوء إشارته و الأخذ بحجرته فی حضوره و غیبته؛ إن الأئمة هم أعدال القرآن الكریم فی حدیث الثقلین المتفق عند الخاصة و العامة [23] المبشر بنجاة المتمسك بهم و المحذر بالمختلف عنهم إن القرآن و العترة لن یفترقا حتی یردا علی النبی صلی الله علیه و آله الحوض و لیس معنی التمسك بهما إلا العمل بهما لا الحب وحده.



[ صفحه 234]




[1] أصول الكافي 200:1.

[2] حرف الهمزة مع الميم.

[3] مجمع البحرين في (يفع).

[4] الأنبياء: 69.

[5] القصص: 29.

[6] تفسير الصافي 260:2.

[7] النمل: 7.

[8] تفسير الصافي 231:2.

[9] الأصل الاصتلاء قلبت تاؤه طاء لقانن الصرف.

[10] النهاية 51:3، في (صلا).

[11] مجمع البحرين في (صلا).

[12] مجمع البحرين، في (صلا)، و احتمل بعض أنها من الصلة لأن المصلي و اصل.

[13] الواقعة: 71.

[14] الحج: 72.

[15] تاج العروس 590:3، في (نور) نقله الميداني في مجمع الأمثال 338:2 رقم المثل 4215، حرف النون.

[16] تاج العروس 590:3، في (نور).

[17] جامع الشواهد 152:1، باب الألف بعده الكاف. و الشعر من المقطوعة لأبي داود الأيادي واسمه جارحة ابن الحجاج.

[18] الإسراء: 82.

[19] الأنفال: 2.

[20] كامل الزيارات 199.

[21] عوالي اللئالي 296:1.

[22] الجامع الصغير 96:1.

[23] أفرد العلامة السيد حامد حسين مجلدا خاصا له من عبقات الأنوار.